لا شك في أن الذكاء الاصطناعي يعتمد بشكل كبير على البيانات ويتطلب موارد حاسوبية قوية لتشغيله بكفاءة. ويفرض هذا الواقع قيوداً تَحد من قدرة هذه التكنولوجيا في بعض الحالات على إنجاز المطلوب منها عند استخدامها – مثلا – في أجهزة بقدرات معالجة محدودة أو في المناطق النائية حيث الاتصال بالإنترنت يتسم بمحدوديته. وقد يدخل في هذه الحالات استخدامها مع الماسحات الضوئية المقطعية المحمولة، وكاميرات المراقبة، ومعدات ومُسيّرات المراقبة في المناطق النائية.
دفع هذا التحدي الطالب الأردني هلال محمد هلال القَوابعَة، الحاصل حديثاً على الدكتوراه في تعلم الآلة من جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، إلى الاهتمام بهذه المشكلة ومحاولة تطوير تقنيات تُحسِّن من كفاءة خوارزميات تعلم الآلة مع الحفاظ على الحد الأدنى أو المستويات الكاملة للفاعلية. والواقع أن هذا المبحث المعقد يطرح تحدياً كبيراً في مجال الذكاء الاصطناعي، غير أنه – في الوقت ذاته – يعد من المجالات المهمة بالنظر إلى الاعتماد المتزايد على استخدام هذه التكنولوجيا في عدد كبير من الأجهزة المتنوعة والمختلفة.
ومن وجهة نظره، يعتبر القَوابعَة أن رفع هذا التحدي ضروري لأنه سيؤثر إيجابياً على تقدم الذكاء الاصطناعي وتطور استخداماته في المناطق النائية في عدة قطاعات كالرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والزراعة؛ مشيراً، في سياق متصل، إلى قناعته بضرورة تمكين جميع شرائح المجتمع من الاستفادة من الإمكانات التي تتيحها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.
ركز القَوابعَة في بحثه على أسلوبي ’التعلم بأمثلة التدريب الثنائية‘ و’التعلم بأمثلة التدريب المتعددة‘، وكيفية تشغيلهما بفعالية في البيئات المتسمة بمواردها القليلة. ويوضح الباحث أنه ركز على الكيفية التي يمكن بها للآلات أن تتعلم اعتماداً على أنواع مختلفة من الأمثلة المعدة 1) لتعزيز مهارة حل المشكلات، و2) تحسين قدرة الآلات على اكتشاف التفاصيل الدقيقة التي قد تفوتها عادةً، و3) كيفية تحقيق هذا الهدف اعتماداً على معلومات وموارد محدودة.
وتوضيحاً، ذَكر القَوابعَة أن ’التعلم بأمثلة التدريب الثنائية‘ بالنسبة لتعلم الآلة هو شبيه بتعليم الحاسوب كيفية اتخاذ القرارات اعتماداً على مقارنة شيئين، بحيث أنه [أي الحاسوب] بدلاً من التركيز على الفهم العام، فإن تركيزه – في هذه الحالة – يكون على فهم أي الخيارين أفضل للوصول إلى اتخاذ قرار.
ويتابع قائلا: “يمكن أن تساعد هذه الطريقة في تصنيف أو انتقاء الأفضل من بين خيارات متعددة اعتمادا على تقييمها [أي الخيارات] في ثنائيات. كما يمكن أن تساعد ’أمثلة التدريب الثنائية‘، عند التوصية بمنتجات – مثلا، الخوارزمية على معرفة المنتج المفضل واتخاذ قرار بناءً على المقارنات وبالتالي تحسين قدرتها على فهم تفضيلات المستخدم”.
يمكن أن تكون هذه التقنية مفيدة في تطبيقات مثل اكتشاف الحالات غير الاعتيادية، ومنع الاحتيال، واستخلاص المعلومات وتصنيفها.
وفي مقابل ’التعلم بأمثلة التدريب الثنائية‘، فإن ’التعلم بأمثلة التدريب المتعددة‘ يتعامل مع مجموعات نقاط للبيانات حيث يكون على الأقل عنصر واحد ضمن المجموعة ينتمي إلى الفئة المستهدفة. ويمكن تشبيه هذه العملية بتقديم باقة زهور إلى شخص يُطلب منه من ثمة تحديد نوع زهرة واحدة، حتى لو لم تكن الزهور الأخرى في الباقة من النوع نفسه. ويمكن استخدام هذه التقنية في مهام مثل تطوير الأدوية وكشف الحالات غير الاعتيادية.
لقد تمكن القَوابعَة في إطار جهوده البحثية من توسيع نطاق بحثه لاستكشاف الكيفية التي يمكن بها لهاتين التقنيتين أن تُساعدَا الخوارزميات على التعلم بشكل أكثر فعالية من ’البيانات غير المتوازنة‘ أو التعلم في الحالات التي يكون فيها توزيع الفئات في مجموعة بيانات غير متساوٍ.
ومثال البيانات غير المتوازنة – يذكر الباحث – يمكن أن يُعبر عنه مثال حالة انتشار مرض في عينة عشوائية من السكان وعدم ظهور أعراض المرض نفسه على غالبية الأشخاص فيها [أي العينة]. ويمكن أن يؤدي انعدام التوازن في البيانات في هذه الحالة إلى أداء جيد للنموذج في مقابل سوئه بالنسبة لفئة أقلية. ويشمل، في هذا الإطار، بحث القوابعة تطوير خوارزميات يمكنها فهم هذا النوع من البيانات بشكل أفضل.
يذكر أن القَوابعَة، موازاة مع بحثه لنيل درجة الدكتوراه، أتيحت له أيضاً فرصة العمل على تطوير نماذج تعلم الآلة للمساعدة في تقليل استهلاك الطاقة الذي يتطلبها تعلم الآلة في بعض التطبيقات، حيث قام بتوظيف ما تعلمه في مشروع للمسيرات المتقدمة لمصلحة جهة مقرها في أبوظبي.
ولأغراض هذا المشروع، استفاد القوابعة من مجال علم الأعصاب حيث اعتمد استخدام تقنية يطلق علها اسم ’الشبكات العصبونية المتصاعدة‘ (SNNs) التي تحاكي الومضات الكهربائية القصيرة التي تمكن المشابك العصبية في الدماغ من التواصل. ويشار إلى أن ’الشبكات العصبونية المتصاعدة‘، على عكس ’الشبكات العصبونية التقليدية‘، تأخذ في الاعتبار توقيت هذه الومضات مما يمكن من تعزيز مستويات الكفاءة وقدرات المعالجة في الوقت الفعلي.
ولرفع الكفاءة إلى مستويات أكبر، قام الباحث بدمج تقنيات ’الشبكات العصبونية المتصاعدة‘ مع ’الشبكات العصبونية المتناثرة‘، وهي شبكات عصبية ذات وصلات أقل بكثير من وصلات ’الشبكات العصبونية العادية‘. وأوضح الباحث أن هذه الطريقة شبيهة بتوجيه حركة المرور المتفرقة في المدينة إلى عدد صغير من الطرق السريعة الفعالة.
ولاحظ القَوابعَة أن بث ومضات في ’الشبكة العصبونية المتناثرة‘ أسهم أكثر في تبسيط العمليات الرياضية، مما يعني أنه يمكن تشفير المعلومات بتكلفة أقل وبكفاءة أكبر في ذاكرة النظام والتقليل من الجهد الحوسبي. كما قام القوابعة، فضلا عن هذا، بدراسة مزايا ’الشبكات العصبونية المتصاعدة‘ في حالة استخدام التدريب التنافسي للخوارزميات، وهي تقنية تدريب قوية تسعى إلى إرباك نظام الذكاء الاصطناعي عن طريق إضافة تعقيد محتمل للبيانات – مثل حجب أو عدم وضوح أجزاء من بيانات التدريب لأنظمة الرؤية الحاسوبية.
وفي سياق متصل ببحثه، نشر القوابعة ورقة بحثية حول استخدام ’الشبكات العصبونية المتصاعدة‘ SNNs)) في عمليات التدريب التنافسية تحت عنوان: “Certified Adversarial Robustness for Rate Encoded Spiking Neural Networks’“، وذلك خلال فعاليات المؤتمر الدولي المرموق حول تمثيلات التعلم (ICLR) في رواندا عام 2023.
وتعليقا على هذه الورقة البحثية التي شارك في إعدادها كل من: باسكار موخوتي، وجوليا دي ماسي، وهوان شيونغ، وبن غو – أستاذ مساعد في قسم تعلم الآلة في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، ذكر القَوابعَة أن النتائج التي تم التوصل إليها لاقت استحساناً وأسهمت في تقدم البحث، مضيفاً أن تجربة نشر ورقة بحثية في مجال بحثي يمكنه الإسهام في تعزيز مستويات كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي شكل تجربة رائعة ومجدية.
وبالنظر إلى المستقبل، يطمح القَوابعَة مواصلة العمل على رفع التحديات النظرية المطروحة في مجال تعلم الآلة ومتابعة أبحاثه في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي التي أعجب بها وبما تتوفر عليه من تجهيزات ومستوى أعضاء هيئتها التدريسية وروح الأسرة الواحدة السائدة بين الطلاب والباحثين.
كما أبدى القَوابعة إعجابه بالمرافق الرياضية في الجامعة بما فيها حوض السباحة الذي يستخدمه بانتظام، والفرص العديدة التي أتيحت له خلال فترة دراسته في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لتكوين صداقات كثيرة مع طلاب من دول مختلفة مثل فرنسا، ومونتينيغرو، والهند، والصين.
يحتفي العالم في 18 ديسمبر من كل عام باليوم العالمي للغة الضاد في لفتَتٍ يقف فيها العالم.....
A team from MBZUAI used instruction tuning to help multimodal LLMs generate HTML code and answer questions.....
Martin Takáč and Zangir Iklassov's 'self-guided exploration' significantly improves LLM performance in solving combinatorial problems.
اقرأ المزيد